القوة الوهمية

في حال أننا نعتقد أننا نعرف أنفسنا، فإن الحقيقة هي أن قليلًا منا يعرف نفسه حق المعرفة. في هذا الموضوع، أود الحديث عن الإحساس بالقوة، وليس القوة الجسدية، وإنما القوة في عدم التأثر بطبع معين أو فكرة أو فعل معين.

الإحساس بالقوة والوهم

ما أقصده هنا هو الأمور التي لم نقم بها من قبل. كثير من الناس يكتشفون أنهم ليسوا أقوياء كما يظنون، بل هم ضعفاء جدًا أمام هذه الأمور. على سبيل المثال، أغلب من دخلوا مجال المخدرات والمسكرات لم يدخلوه وهم يجهلون مضاره. الجميع يعرف أن لهذه الأمور أضرارًا جسيمة، لكن ما دفعهم للتجربة هو شعور داخلي بالقوة، والإحساس بأن التجربة لن تغيّر فيهم شيئًا، وأن بإمكانهم الإقلاع أو التوقف عن الممارسة في أي لحظة يريدونها.

هذا الإحساس ينشأ من فكرة أن حياتهم قبل التجربة كانت مستقرة وطيبة، وأن المخدرات لن تكون أكثر من تجربة عابرة. لكن بمجرد الدخول في التجربة، يجدون أن القوة التي كانوا يتحدثون عنها لم تكن حقيقية. التجربة التي كانوا يعتقدون أنها لن تؤثر فيهم تصبح بداية انحدار، وقد يتحول الأمر من تجربة واحدة إلى عادة مستمرة، ليست نابعة من باب الاستكشاف، بل بسبب الرغبة والإدمان. حينها تتلاشى كل القناعات السابقة، ويظهر الضعف الذي لم يكونوا يعرفونه في أنفسهم.

وهم القوة في الحياة اليومية

الكثير من الناس يعيشون في إحساس وهمي بالقوة. هذا الإحساس وهمي لأنهم لم يعرفوا أنفسهم بشكل حقيقي. لم يمروا بتجارب تجعلهم يتعلمون عن أنفسهم وعن قوتهم الداخلية. غالبًا ما تكون هذه التجارب مرتبطة بالأمور السيئة والمضرة، والتي يعرف الجميع أنها ضارة. لكن حب الاستكشاف يدفع الشخص للوقوع في الفخ. حب الاستكشاف يجعل الشخص يعتمد على إحساسه بالقوة، فيبدأ بتجربة أمور سيئة أو الدخول في ممارسات ضارة ظنًا منه أنه سيكون قويًا بما يكفي لعدم الاستمرار فيها.

أمثلة على الفخاخ الوهمية

هذا الفخ يمكن أن يتمثل في الدخول في علاقة خاطئة بدافع استكشاف الطرف الآخر. قد يكون الهدف هو تغيير الجو للحصول على السعادة أو الاسترخاء والابتعاد عن ضغوط الحياة. وأحيانًا يكون التصرف بتصرف سيئ بدافع رؤية النتائج، مع الاعتقاد بأن الأمر بسيط ولن يترتب عليه شيء. ولكن هذا قد يؤدي إلى إحداث شرخ عميق في قلوب الآخرين لا يمكن علاجه. والأمثلة على ذلك عديدة.

أهمية التجارب الصحيحة

ولكن الحقيقة أن كثيرًا من الناس يسقطون في هذا الفخ، لأن الإحساس بالقوة الوهمية يختفي عند أول تجربة حقيقية. التجارب السيئة تكشف لنا نقاط ضعفنا، وتُظهر لنا أن القوة التي كنا نعتقد أنها جزء منا، ربما لم تكن سوى وهم.

ولكن هذا لا يعني أن التجربة أمر سيئ، بل هي ضرورية لاكتشاف الذات. ولكن ما هي الأمور التي من المفترض أن نخوض فيها التجارب؟ بالطبع، يجب أن تكون في الأمور الصحيحة والصائبة. يمكننا تجربة هواية جديدة، رياضة مختلفة، القراءة في مجال جديد، أو خوض تجربة سفر جديدة. هناك الكثير من الأمور الممتعة والجميلة التي يمكن أن تضيف إضافات قيّمة إلى حياتنا. من خلال خوض هذه التجارب، لا نكتشف أمورًا جديدة تضفي جمالًا على حياتنا فقط، بل نتمكن أيضًا من اكتشاف ذواتنا، والتعرف على نقاط القوة والضعف والإمكانات التي نمتلكها، والتي ربما لم يسمح لنا روتين حياتنا بأن نراها أو ندركها من قبل.

التفكير في المستقبل وتحكيم العقل

بعد هذا الكلام، ما الذي يمكن أن نستفيده؟ الماضي قد انتهى، ولكن بالنسبة للمستقبل، علينا أن نحسب لهذا الأمر حسابًا. يجب أن نسأل أنفسنا: هل هذا الشيء الذي نخوضه في حالة ضعفنا سيكون ضارًا؟ هل سيؤثر علينا بشكل دائم؟ وهل سيؤثر على من يحبوننا أو يهتمون بنا؟

من المهم أن نتأكد مما إذا كان هناك ضرر قد يلحق بنا أو بغيرنا. علينا أن نحكّم عقولنا في مواجهة رغبات نفوسنا، وأن نحب أنفسنا أولًا. يجب أن نتعامل مع أنفسنا بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع أغلى شخص لدينا، بكل حب واهتمام.

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *