القوة الوهمية

في حال أننا نعتقد أننا نعرف أنفسنا، فإن الحقيقة هي أن قليلًا منا يعرف نفسه حق المعرفة. في هذا الموضوع، أود الحديث عن الإحساس بالقوة، وليس القوة الجسدية، وإنما القوة في عدم التأثر بطبع معين أو فكرة أو فعل معين.

الإحساس بالقوة والوهم

ما أقصده هنا هو الأمور التي لم نقم بها من قبل. كثير من الناس يكتشفون أنهم ليسوا أقوياء كما يظنون، بل هم ضعفاء جدًا أمام هذه الأمور. على سبيل المثال، أغلب من دخلوا مجال المخدرات والمسكرات لم يدخلوه وهم يجهلون مضاره. الجميع يعرف أن لهذه الأمور أضرارًا جسيمة، لكن ما دفعهم للتجربة هو شعور داخلي بالقوة، والإحساس بأن التجربة لن تغيّر فيهم شيئًا، وأن بإمكانهم الإقلاع أو التوقف عن الممارسة في أي لحظة يريدونها.

هذا الإحساس ينشأ من فكرة أن حياتهم قبل التجربة كانت مستقرة وطيبة، وأن المخدرات لن تكون أكثر من تجربة عابرة. لكن بمجرد الدخول في التجربة، يجدون أن القوة التي كانوا يتحدثون عنها لم تكن حقيقية. التجربة التي كانوا يعتقدون أنها لن تؤثر فيهم تصبح بداية انحدار، وقد يتحول الأمر من تجربة واحدة إلى عادة مستمرة، ليست نابعة من باب الاستكشاف، بل بسبب الرغبة والإدمان. حينها تتلاشى كل القناعات السابقة، ويظهر الضعف الذي لم يكونوا يعرفونه في أنفسهم.

وهم القوة في الحياة اليومية

الكثير من الناس يعيشون في إحساس وهمي بالقوة. هذا الإحساس وهمي لأنهم لم يعرفوا أنفسهم بشكل حقيقي. لم يمروا بتجارب تجعلهم يتعلمون عن أنفسهم وعن قوتهم الداخلية. غالبًا ما تكون هذه التجارب مرتبطة بالأمور السيئة والمضرة، والتي يعرف الجميع أنها ضارة. لكن حب الاستكشاف يدفع الشخص للوقوع في الفخ. حب الاستكشاف يجعل الشخص يعتمد على إحساسه بالقوة، فيبدأ بتجربة أمور سيئة أو الدخول في ممارسات ضارة ظنًا منه أنه سيكون قويًا بما يكفي لعدم الاستمرار فيها.

أمثلة على الفخاخ الوهمية

هذا الفخ يمكن أن يتمثل في الدخول في علاقة خاطئة بدافع استكشاف الطرف الآخر. قد يكون الهدف هو تغيير الجو للحصول على السعادة أو الاسترخاء والابتعاد عن ضغوط الحياة. وأحيانًا يكون التصرف بتصرف سيئ بدافع رؤية النتائج، مع الاعتقاد بأن الأمر بسيط ولن يترتب عليه شيء. ولكن هذا قد يؤدي إلى إحداث شرخ عميق في قلوب الآخرين لا يمكن علاجه. والأمثلة على ذلك عديدة.

أهمية التجارب الصحيحة

ولكن الحقيقة أن كثيرًا من الناس يسقطون في هذا الفخ، لأن الإحساس بالقوة الوهمية يختفي عند أول تجربة حقيقية. التجارب السيئة تكشف لنا نقاط ضعفنا، وتُظهر لنا أن القوة التي كنا نعتقد أنها جزء منا، ربما لم تكن سوى وهم.

ولكن هذا لا يعني أن التجربة أمر سيئ، بل هي ضرورية لاكتشاف الذات. ولكن ما هي الأمور التي من المفترض أن نخوض فيها التجارب؟ بالطبع، يجب أن تكون في الأمور الصحيحة والصائبة. يمكننا تجربة هواية جديدة، رياضة مختلفة، القراءة في مجال جديد، أو خوض تجربة سفر جديدة. هناك الكثير من الأمور الممتعة والجميلة التي يمكن أن تضيف إضافات قيّمة إلى حياتنا. من خلال خوض هذه التجارب، لا نكتشف أمورًا جديدة تضفي جمالًا على حياتنا فقط، بل نتمكن أيضًا من اكتشاف ذواتنا، والتعرف على نقاط القوة والضعف والإمكانات التي نمتلكها، والتي ربما لم يسمح لنا روتين حياتنا بأن نراها أو ندركها من قبل.

التفكير في المستقبل وتحكيم العقل

بعد هذا الكلام، ما الذي يمكن أن نستفيده؟ الماضي قد انتهى، ولكن بالنسبة للمستقبل، علينا أن نحسب لهذا الأمر حسابًا. يجب أن نسأل أنفسنا: هل هذا الشيء الذي نخوضه في حالة ضعفنا سيكون ضارًا؟ هل سيؤثر علينا بشكل دائم؟ وهل سيؤثر على من يحبوننا أو يهتمون بنا؟

من المهم أن نتأكد مما إذا كان هناك ضرر قد يلحق بنا أو بغيرنا. علينا أن نحكّم عقولنا في مواجهة رغبات نفوسنا، وأن نحب أنفسنا أولًا. يجب أن نتعامل مع أنفسنا بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع أغلى شخص لدينا، بكل حب واهتمام.

قاعدة العدسات الثلاث

“قاعدة العدسات الثلاث” هي مفهوم أقدمه لتوضيح كيفية فهمنا للأمور من حولنا، سواءً كانت مواقف، أو كلام الآخرين، أو حتى قراراتنا الشخصية. قد يكون هذا المفهوم معروفًا لدى الآخرين بمسميات أو طرق أخرى، لكنني أعرضه هنا بهذه الطريقة البسيطة التي تناسب فهمي للأمور.
الفكرة الأساسية هي أن لدينا ثلاث عدسات رئيسية نستخدمها للنظر إلى الأمور، وكل عدسة توفر مستوى مختلفًا من العمق والتحليل:

  1. عدسة مجهرية:
    • تُستخدم لتكبير التفاصيل الصغيرة والتركيز على الجوانب الدقيقة التي قد لا تكون واضحة للآخرين.
    • هذه العدسة تتيح لنا قراءة ما بين السطور وتحليل المشاعر أو الرسائل المخفية.
  2. عدسة عادية:
    • تُستخدم للنظر إلى الأمور كما هي، دون أي تحليل إضافي أو تعقيد.
    • تُعتبر النظرة الافتراضية والبسيطة للأشياء، حيث يتم تفسيرها بناءً على المعطيات الظاهرة فقط.
  3. عدسة بعيدة المدى:
    • تُستخدم لرؤية الصورة الكبيرة وتحليل الأمور من منظور طويل المدى.
    • تتيح لنا التفكير في التأثيرات المستقبلية وربط الأحداث الحالية بما قد يحدث لاحقًا.

تطبيقات القاعدة

أولاً: التعامل مع كلام الآخرين

عندما يتحدث إلينا شخص ما، يكون علينا أن نقرر أي عدسة نستخدم لتفسير كلامه. ليس كل كلام يُقال يعني ما يبدو عليه؛ أحيانًا يكون الكلام مباشرًا، وأحيانًا يكون مشفرًا أو يحمل رسائل ضمنية.

مثال توضيحي:
شخص يقول: “رأسي يؤلمني”.

  • باستخدام العدسة العادية:
    نفهم كلامه بشكل سطحي كما هو، ونرد عليه بعبارة مثل: “خذ مسكنًا” أو “اذهب للطبيب”، وكأننا نفترض أنه لا يعلم ذلك.
  • باستخدام العدسة المجهرية:
    نُعمّق النظر في كلماته ونفكر، “هل يقصد أنه متعب نفسيًا؟ هل يريد منا أن نشعر به؟ ربما هو بحاجة إلى دعم عاطفي وليس مجرد نصيحة طبية.”
    هذا التحليل يساعدنا على فهم أن بعض الناس يواجهون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم بشكل مباشر. كلامهم قد يكون طلبًا ضمنيًا للتعاطف أو للتواصل الإنساني.

التعامل مع الأشخاص ذوي الخبرة أو الذين مروا بمواقف صعبة قد يتطلب استخدام العدسة المناسبة.

مثال آخر:
نتحدث مع شخص مر بتجارب حياتية كثيرة، ويُعطي رأيًا يبدو لنا غير منطقي أو بعيدًا عن الواقع.

  • باستخدام العدسة العادية:
    نرى كلامه غير منطقي أو حتى سخيف، لأننا نقيسه على خبراتنا المحدودة.
  • باستخدام العدسة بعيدة المدى:
    ندرك أن كلامه قد يعتمد على خبرات عميقة ومواقف أدرك تأثيرها بعد مرور الوقت. هذه العدسة تساعدنا على فهم ترابط الأحداث ومعرفة أن بعض الأمور تحتاج إلى وقت طويل لتظهر نتائجها.
ثانياً: فهم المواقف والتجارب

قصة توضيحية:
لشرح أهمية استخدام العدسات الثلاث في الحياة بشكل أفضل، دعونا نتخيل هذا السيناريو:

كان هناك ثلاثة أشخاص يستعدون لدخول سباق. للفوز، عليهم فقط الوصول إلى خط النهاية، مع تجاوز بعض العوائق في الطريق. قيل لهم أن بإمكانهم أخذ ما يحتاجونه من متجر بجانب خط البداية.

  • المتسابق الأول استخدم العدسة المجهرية:
    ركّز على التفاصيل الصغيرة، فرأى أن الشارع زلق في بدايته، فاختار حذاءً مانعًا للانزلاق وافترض أن السباق كله سيكون كذلك. حمل معه الكثير من الماء والمأكولات الخفيفة لأنه لم يكن يرى نهاية السباق، مما جعله يثقّل نفسه بالأوزان.
  • المتسابق الثاني استخدم العدسة العادية:
    لاحظ وجود حفرة في منتصف الطريق، فجهّز نفسه لتجاوزها وأخذ معه مشروبات وأطعمة خفيفة فقط.
  • المتسابق الثالث استخدم العدسة بعيدة المدى:
    نظر إلى الصورة الكاملة، فرأى نهاية السباق وعلم أن العائق الأخير سيكون حبلًا يحتاج إلى مقص لقطعه. كما لاحظ وجود مشروبات مجانية قرب خط النهاية، فقرر أخذ مقص فقط دون أي أوزان إضافية.

مجريات السباق:
في البداية، كان الشارع زلقًا:

  • المتسابق الأول تجاوز المنطقة بسهولة بفضل حذائه، لكن الأوزان الثقيلة جعلته بطيئًا.
  • المتسابق الثاني تجاوز المنطقة ببطء بسبب حمله للأوزان.
  • المتسابق الثالث، رغم أنه لم يكن يحمل أوزانًا، عانى بسبب نقص الاستعداد. لم يكن لديه الحذاء المناسب للشارع الزلق، مما جعله يتعب كثيرًا للحفاظ على توازنه، لكنه اجتاز المنطقة بعد جهد كبير.

عند الحفرة:

  • المتسابق الأول عانى بسبب أوزانه الكثيرة ولم يتمكن من تجاوز الحفرة بسهولة.
  • المتسابق الثاني أفرغ عتاده وجهّز نفسه، مما استغرق وقتًا إضافيًا لكنه اجتازها.
  • المتسابق الثالث، الذي لم يحمل معه تجهيزات مناسبة سوى المقص، وجد صعوبة في تجاوز الحفرة بسبب نقص الأدوات اللازمة. ومع ذلك، اجتاز الحفرة بجهد مضاعف لأنه ركز على الحلول البسيطة المتوفرة لديه.

قرب النهاية:

  • المتسابق الثالث وصل أولًا رغم تعبه في المراحل السابقة، شرب من المشروبات المجانية، واستخدم المقص لقطع الحبل وفاز.
  • المتسابق الثاني أدرك أنه حمل أوزانًا بلا داعٍ، وعند العائق الأخير (الحبل)، لم يكن لديه أداة لقطعه، مما أضاع عليه وقتًا كبيرًا.
  • المتسابق الأول وصل أخيرًا متعبًا بسبب الأوزان والعوائق التي لم يستطع التعامل معها.

تعقيب: دور الشخص الذي يمتلك الثلاث عدسات

لو كان هناك متسابق رابع يمتلك العدسات الثلاث ويتقن استخدامها بمهارة، كان وضعه سيكون أفضل بكثير من الجميع.

  • باستخدام العدسة المجهرية، كان سيلاحظ التفاصيل الدقيقة مثل طبيعة الشارع الزلق ويأخذ الحذاء المناسب.
  • باستخدام العدسة العادية، كان سيجهز نفسه لتجاوز الحفرة بأدوات معقولة دون تحميل نفسه بالأوزان.
  • باستخدام العدسة بعيدة المدى، كان سيرى أن العائق الأخير يحتاج إلى مقص صغير فقط، مما يجعل تجهيزاته خفيفة ومناسبة طوال السباق.

الخلاصة:
الشخص الذي يتقن استخدام العدسات الثلاث ويتمكن من التنقل بينها بمرونة سيجد نفسه قادرًا على تجاوز العوائق بكفاءة وفعالية، مهما كانت طبيعة الطريق أو التحديات التي يواجهها.

أهمية اختيار العدسة المناسبة

استخدام العدسة غير المناسبة قد يؤدي إلى سوء الفهم أو اتخاذ قرارات خاطئة.

  1. الإفراط في استخدام العدسة المجهرية عندما نبالغ في تحليل كلام أو مواقف بسيطة، قد ننتهي بفهم مغلوط.
    مثال: شخص يقول: “أنا مشغول”. إذا نظرنا للأمر بالعدسة المجهرية، قد نبدأ بتحليل الأمور بعمق ونعتقد أنه يحاول التهرب، بينما هو ببساطة يعني أنه مشغول!
  2. الإفراط في استخدام العدسة بعيدة المدى التفكير الزائد في العواقب المستقبلية قد يؤدي إلى التردد أو القلق غير المبرر.
    مثال: إذا قال شخص: “لدي فكرة مشروع”، ونبدأ بتحليل كل المخاطر المستقبلية بدلًا من دعمه في البداية، قد نخيفه من اتخاذ خطوة جريئة.
  3. الاعتماد فقط على العدسة العادية الاعتماد المفرط على العدسة العادية في جميع الأمور قد يكون خطأً، لأن ليس كل المواقف والكلام يجب أن يُفهم بطريقة سطحية.
    مثال: عندما يقول شخص: “أشعر بالتعب”، قد نكتفي بالرد: “ارتَحْ”، دون أن ندرك أنه قد يكون بحاجة إلى تعاطف أو إلى مشاركة مشاعره بشكل أعمق. في هذه الحالة، استخدام العدسة المجهرية كان سيكشف لنا أن ما وراء الكلمات يحمل رسالة أعمق.
  4. قلة المرونة بين العدسات إذا لم نتمكن من تغيير العدسة حسب الموقف، فقد نفشل في فهم الأمور بشكل صحيح.
    مثال: عند التعامل مع شخص ذي خبرة وتجارب واسعة، قد نخطئ إذا نظرنا إلى كلامه بالعدسة العادية فقط، في حين أنه يحتاج إلى نظرة بعيدة المدى لفهم عمق كلامه وربطه بتجارب سابقة أو تأثيرات مستقبلية.

خلاصة القاعدة

قاعدة العدسات الثلاث هي أداة مرنة لفهم العالم من حولنا. باستخدام هذه العدسات بذكاء، يمكننا تحسين تواصلنا مع الآخرين، واتخاذ قرارات أكثر دقة، ورؤية الحياة من زوايا متعددة. اختيار العدسة المناسبة في كل موقف يعزز فهمنا للأمور ويساعدنا على التعامل مع المواقف بفعالية، بينما يؤدي الاعتماد المفرط على أي عدسة واحدة إلى قصور في استيعاب التنوع والتعقيد في الحياة. المهارة الحقيقية تكمن في التبديل بين العدسات الثلاث وفقًا للظروف، مما لا يقتصر على الفهم واتخاذ القرارات فقط، بل يمتد إلى تحقيق سعادة متوازنة ومستدامة على المدى القريب والمتوسط والبعيد.

===

العلاقة بين السعادة واستخدام العدسات الثلاث

يمكننا أن نقول إن السعادة أيضًا قد تكون مرتبطة بهذا المفهوم. إذا شبّهنا العدسات الثلاث بالوقت:

  • العدسة المجهرية تمثل النظرة قصيرة المدى أو السعادة التي تتحقق في الوقت القريب.
  • العدسة العادية تمثل النظرة المتوسطة التي لا هي قصيرة ولا طويلة الأمد.
  • العدسة بعيدة المدى تمثل النظرة الطويلة الأمد أو السعادة التي تأتي بعد فترة طويلة من التخطيط.

في حياتنا، هناك أمور تجلب لنا السعادة على المدى القصير، لكنها قد لا تكون السعادة المرجوة أو الدائمة. مع مرور الوقت، قد نكتشف أن هناك سعادة أكبر كان يمكننا تحقيقها لو أننا نظرنا إلى الأمور بنظرة أطول وأشمل.

مثال:

  • شخص ذو نظرة قصيرة المدى (عدسة مجهرية) قد يعتقد أن شراء سيارة غالية سيحقق له السعادة الفورية لأنه سيحصل على شيء لطالما تمناه. لكن مع مرور الأيام، يدرك أن المال الذي أنفقه على هذه السيارة كان يمكن توفيره لشراء منزل أفضل يناسب احتياجاته المستقبلية.
  • في المقابل، شخص ذو نظرة طويلة المدى (عدسة بعيدة المدى) قد يقرر استثمار أمواله في مشاريع تحقق له عائدًا مستقبليًا أكبر، مما يمكنه من تحقيق سعادة أعمق وأكثر استدامة.

السعادة القصيرة قد تكون مشكلة إذا لم نرَ تأثيرها على المدى الطويل.
إذا اعتمدنا فقط على السعادة اللحظية دون التفكير في العواقب، قد نقع في مشكلات كبيرة.
مثال آخر:
بعض الناس قد يقومون بأفعال خطيرة أو غير أخلاقية فقط لتحقيق سعادة سريعة، دون أن ينظروا إلى تأثير هذه الأفعال على مستقبلهم. السبب أنهم استخدموا عدسة واحدة فقط (المجهرية) ولم يحاولوا رؤية الصورة الأوسع بتبديل العدسات.

أهمية استخدام العدسة المناسبة بالنسبة للسعادة والوقت

استخدام العدسة المناسبة ليس مجرد وسيلة لفهم المواقف واتخاذ قرارات صائبة، بل له دور كبير في تحقيق السعادة على مختلف المديات الزمنية. عندما نربط مفهوم العدسات الثلاث بالوقت، نجد أن كل عدسة تقدم منظورًا مختلفًا للسعادة وكيفية تحقيقها:

1. العدسة المجهرية: السعادة قصيرة المدى
  • تمثل النظرة إلى الأمور على المدى القصير، حيث نركز على اللحظة الحالية أو السعادة الفورية.
  • الإيجابيات:
    • تساعدنا على الاستمتاع باللحظات البسيطة وتحقيق رضا سريع.
    • تمنحنا دفعات صغيرة من السعادة التي تعزز شعورنا بالإنجاز.
  • السلبيات:
    • قد نبالغ في التركيز على اللحظة الحالية دون النظر إلى تأثير قراراتنا على المستقبل.
    • بعض القرارات التي تحقق سعادة قصيرة المدى قد تؤدي إلى نتائج سلبية طويلة المدى.

مثال: شراء منتج غالٍ لتحقيق رغبة فورية قد يسعدنا للحظة، لكن لاحقًا نكتشف أن المال كان يمكن استثماره في شيء أكثر أهمية.

2. العدسة العادية: التوازن بين القريب والبعيد
  • تمثل التوازن بين السعادة القريبة والمتوسطة.
  • الإيجابيات:
    • تجعلنا نأخذ خطوات محسوبة دون إهمال الحاضر أو المستقبل.
    • تتيح لنا الاستمتاع بالأمور الحالية مع التفكير بعواقبها على المدى المتوسط.
  • السلبيات:
    • إذا اعتمدنا عليها فقط، قد نفقد القدرة على التخطيط طويل المدى أو الاستمتاع الفوري ببعض الأمور.

مثال: توفير جزء من المال للادخار مع السماح لأنفسنا بإنفاق جزء آخر على متعة آنية مثل السفر أو الهوايات.

3. العدسة بعيدة المدى: السعادة طويلة الأمد
  • تمثل النظرة إلى الأمور على المدى الطويل، حيث نفكر في العواقب المستقبلية وتأثير قراراتنا الحالية على المستقبل.
  • الإيجابيات:
    • تساعدنا على اتخاذ قرارات استراتيجية تؤمن لنا سعادة مستدامة.
    • تجعلنا نستثمر في أمور لها تأثير إيجابي على حياتنا المستقبلية.
  • السلبيات:
    • قد تجعلنا نؤجل الاستمتاع بالحياة الحالية ونشعر بالحرمان بسبب التركيز المفرط على المستقبل.

مثال: شخص يدخر أمواله للاستثمار في مشروع يحقق له أرباحًا مستقبلية، ما يمنحه استقرارًا وسعادة طويلة الأمد.

أهمية التوازن بين العدسات الثلاث لتحقيق السعادة

  • استخدام العدسات الثلاث بمرونة يساعدنا على تحقيق توازن بين الاستمتاع باللحظة الحالية، وضمان احتياجاتنا في المستقبل.
  • السعادة اللحظية تصبح ممتعة إذا كانت مدروسة ولم تؤثر سلبًا على المستقبل.
  • التخطيط بعيد المدى يكون مثمرًا إذا لم يحرمنا من استغلال الحاضر.

الخلاصة:
ربط السعادة بالوقت واختيار العدسة المناسبة في كل موقف يمنحنا القدرة على اتخاذ قرارات تضمن لنا سعادة قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد. المرونة في استخدام العدسات ليست فقط أداة للفهم، بل هي مهارة حياتية لتحقيق الرضا والتوازن في مختلف مراحل الحياة. التوازن بين استخدام العدسات الثلاث يساعدنا على فهم المواقف بعمق واتخاذ قرارات تحقق سعادة مستدامة ومتوازنة، سواء على المدى القريب أو البعيد، من خلال النظر إلى الأمور من زوايا مختلفة بما يتناسب مع طبيعة كل موقف.

هل نحن للناس سهم أخضر أم سهم أحمر؟

العلاقات بين الناس تنقسم لنوعين:

  • علاقة ترفع الشخص وتجعله أفضل مع الوقت.
  • علاقة تُسقط الشخص وتجعله ينحدر في المستوى حتى قد يصل للحضيض.

هذي التأثيرات غالباً ما تكون غير واضحة في البداية، لكن مع مرور الوقت تظهر بجلاء.

توضيح:

مفهوم العلاقة لا يقتصر على نوع محدد، بل يشمل أي اتصال مع شخص ينتقل إلى مرحلة الصداقة أو مشاركة المعلومات بين الطرفين. والمقصود هنا العلاقات التي يمكن للشخص أن يتجنبها أو يقطعها عندما يرى تأثيرها عليه وإلى أين تقوده.

ومع ذلك، هناك علاقات يصعب قطعها أو لا ينبغي أن تُقطع، مثل علاقات الدم، كالعلاقة مع العائلة، بما في ذلك الوالدين، والإخوة، والأبناء، والأزواج.

مثال على علاقة سهم أحمر:

شخص نشأت بينه وبين زميل في العمل علاقة، كان في البداية مجتهداً في عمله ومتحمساً لتحقيق النجاح، حيث كان يبذل جهداً جسدياً ونفسياً لإتمام مهامه، مدركاً أن النجاح لا يأتي بالراحة.
ولكن مع الوقت، تعرف على زميل آخر في العمل، وهذا الزميل كان لا يحب عمله ولا يهتم به. كانت فكرته الأساسية هي الحصول على راتب بأقل جهد ممكن، فكان يبحث دائماً عن الأعذار للتهرب والتلاعب، مركزاً على راحته بدلاً من إنجاز العمل.

تأثر صاحبنا بهذا الزميل ومع مرور الوقت أصبح مثله، متهرباً وغير مجتهد.
هذه العلاقة تمثل مثالاً واضحاً لعلاقة “السهم الأحمر”، التي تشير إلى التدهور والانحدار.

مثال اخر :
شخص دخل في علاقة مع شخص آخر، ووجود هذا الشخص في حياته تسبب له إحراجاً أو انعزالاً عن مجتمعه المحيط.
في البداية، كان الانعزال بسيطاً وغير ملحوظ، لكن مع تطور العلاقة أصبح الانعزال أكبر. بسبب هذه العلاقة، بدأت علاقاته مع من حوله تتدهور، ومع مرور الوقت أصبح يشعر بثقل العودة إليهم، سواء بسبب الخوف من العتاب أو شعوره بالتقصير تجاههم.

مع مرور الوقت، وعندما انتهت العلاقة لسبب ما، اكتشف أنه خسر نفسه والكثير من الأشخاص الذين كانوا يهتمون به. كان شخصاً اجتماعياً، لكنه أصبح انعزالياً وفقد تواصله مع محيطه.
هذه العلاقة تمثل مثالاً للسهم الأحمر الهابط، الذي يشير إلى الخسارة.

بعض العلاقات تكون أنانية:
قد يُجبر الطرف الثاني الشخص على الانعزال ليستمتع بالتفرغ له، غير مهتم بما يحدث للطرف الآخر. وهنا قد يُستغل الشخص لسعادة الطرف الآخر فقط. وهنا نسمع البعض يقول: “الله يلعن اليوم اللي عرفناه فيه”.

مثال على علاقة سهم أخضر:

شخص دخل في علاقة، والطرف الثاني كان داعماً له في تطوير ذاته.
هذي العلاقة ساعدته في تحسين علاقاته بمحيطه، تخفيف ضغوطه النفسية، وإعطائه دافعاً للتقدم في حياته.

حتى لو انتهت العلاقة فجأة، لما نظر لوضعه، وجد نفسه أفضل من قبل العلاقة. هذي العلاقة تشبه السهم الأخضر اللي يعني الربح والارتقاء. وهنا نسمع من الطرف الأول يقول: “الله يذكره بالخير”.

حينما يكون انتهاء العلاقة بداية للضياع

قد نكون شاهدنا في بعض الأفلام أو سمعنا، وربما حتى رأينا في الواقع، أشخاصاً تدمرت حياتهم بسبب انتهاء علاقة. فقد تكون تلك العلاقة سبباً لسقوطهم في مستنقعات الرذيلة، أو البحث عن سعادة زائفة في الأماكن الخاطئة، في محاولة لمنح أنفسهم إحساساً بالانتقام أو النسيان. ولكن في الحقيقة، هم لا ينسون ولا ينتقمون إلا من أنفسهم.

المشكلة:

هل الطرف الثاني هو السبب؟
قد يكون مؤثراً، لكن المشكلة الأساسية تكمن في الطرف الأول نفسه. قد يكون انخدع بالإحساس المؤقت بالسعادة، أو لأنه لم يرَ الأمور من منظور بعيد ( انظر لموضوع قاعدة الثلاث عدسات ). الأسباب متعددة، منها ضعف الشخصية، الحاجة العاطفية، أو قلة الخبرة.

العلاقات التي يصعب قطعها وتأثيرها على الحياة

العلاقات التي من المفترض ألا تُقطع بسهولة، مثل علاقة الزواج، يمكن أن تكون إما سهماً أخضر يرتقي بالحياة أو سهماً أحمر يؤدي إلى التدهور.

في بعض الحالات، يكون الزواج سبباً في تحسين حال الشخص وجعله أفضل، بينما في حالات أخرى قد يؤدي إلى تدهور الحياة وجعلها أسوأ. عندما يبدأ أحد الطرفين بملاحظة أن العلاقة تسير في اتجاه “السهم الأحمر”، يجب أن يحاول توضيح الأمر للطرف الآخر، ويجتهد في تحسين العلاقة، ويثقف نفسه ليصبح سهماً أخضر يرفع من مستوى شريكه.

هذا الأمر لا يقتصر فقط على الزوجين، بل يمتد إلى الأبناء، حيث أن التأثير السلبي أو الإيجابي للعلاقة ينعكس عليهم بشكل مباشر. وينطبق ذلك أيضاً على أفراد العائلة. شخص واحد فقط يمكنه تغيير طريقة تفكير عائلته إذا اجتهد وحاول.

وإن لم يستطع تغيير الوضع، فعليه التركيز على تحسين نفسه، والابتعاد عن التصرفات الضارة، والارتقاء فوق الأمور التي قد تقوده للحضيض.

وقفة للتأمل:

كلنا في يوم ما سنقطع علاقاتنا بأشخاص، أو ستُقطع لأسباب قد تكون خارجة عن إرادتنا مثل الوفاة.
لذا، يجب أن نسأل أنفسنا:

  • هل نحن للناس سهم أخضر أم سهم أحمر؟
  • هل نترك خلفنا ذكريات جميلة أم سيئة؟

أمي، رحمها الله، كانت تقول:
“إذا تبي تُذكر، سو خير أو منكر.”

كونك سهم أخضر يعني أن ذكراك ستكون طيبة، بينما كونك سهم أحمر يعني العكس.
فلنحرص أن نكون دائماً مصدر خير ودعم للناس اللي حولنا.

وفي ختام الموضوع، أتمنى من كل شخص كنت له يوماً ما سهماً أحمر أن يسامحني.